HOME


من هم المؤرخون المراجعون
ولماذا يجب أن تعنينا "المحرقة" اليهودية

د. إبراهيم ناجي علوش

محتويات الكراس


هجوم صهيوني جديد على رابطة الكتاب الأردنيين

الجيروزاليم بوست وال ADC

وكأنها تصر على تأكيد حساسية الموضوع لدى الحركة الصهيونية، قامت «الجيروزاليم بوست» في عددها الصادر يوم 8 حزيران / يونيو 2001 بشن حملة عاتية على رابطة الكتاب الأردنيين، وعلى بعض المثقفين العرب، كرة أخرى، بعد سلسلة الهجمات الصهيونية المشابهة في شهري نيسان وأيار 2001، بسبب الندوة التي عقدتها رابطة الكتاب الأردنيين في مقرها في عمان يوم 13 أيار / مايو 2001، تحت عنوان :«ماذا حدث لمؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية في بيروت؟».

وتطال الحملة الصهيونية المتجددة هذه المرة بالإضافة إلى رابطة الكتاب الأردنيين، المحاضرين الذين قدموا أوراقا في ندوة الرابطة، وهم حياة عطية وعرفات حجازي وإبراهيم علوش، كما تطال الكاتب المصري احمد رجب، ونقابة الصيادلة المصريين لأنها دعت إلى مقاطعة لائحة من أدوية الشركة الأمريكية «أيلي ليلي ELI LILLY» بسبب قيام هذه الشركة بتوزيع منتجاتها مجاناً في ثلاثة تجمعات صهيونية لمن يفترض انهم ضحايا «المحرقة».

المشكلة بالنسبة للطرف الصهيوني حسب الجيروزاليم بوست تتصل بالتشكيك بما يسمى «المحرقة» وبما أسمته القبول المتزايد في بعض الدوائر العربية لنزعة إنكار المحرقة، التي تحركها الكراهية ونزعة اللاسامية في الدعاية المعادية لدولة «إسرائيل».

المحرقة طبعاً أسطورة تاريخية ذات فوائد سياسية راهنة بالنسبة للحركة الصهيونية العالمية. وهذه الأسطورة تقوم على ثلاث قواعد أو أكاذيب تم ترسيخها في العقل والإعلام الغربيين بقوة. وهذه الأكاذيب الثلاثة هي: 1) ادعاء مقتل ستة ملايين يهودي في الحرب العالمية الثانية. 2) ادعاء مقتل هؤلاء نتيجة سياسة إبادة منهجية نفذتها الحركة النازية ضد اليهود 3) ادعاء مقتل معظم هؤلاء في غرف غاز مزعومة لم يتمكن أحد حتى الآن من إثبات وجودها أو إيضاح طريقة تشغليها....

وقد جندت الجيروزاليم بوست في الحملة الصهيونية الجديدة ضد من تقول انهم ينكرون المحرقة من العرب، عدداً كبيرا ًمن السياسيين والأكاديميين والإعلاميين الصهاينة من داخل دولة العدو وخارجها، لم يقدم واحد منهم حجة واحدة لإثبات أي زعم من المزاعم الثلاثة التي تستند إليها المحرقة، ولا يوجد في تقرير الجيروزاليم بوست الطويل سطر واحد يرد ولو بكلمة على أبحاث المؤرخين المراجعين المعتمدة على العلم والمنطق في تفنيد مخارق «المحرقة» المختلفة.

بيد أن هذا لا يعني على الإطلاق أن تقرير الجيروزاليم بوست كان خاوياً من التأثيرين السياسي والإعلامي، وان كان يخلو من الحجج التاريخية والعلمية والمنطقية. فالتقرير يقوم في جوهره الداخلي على محورين: المحور الأول يحاول إقناع العرب أن طرح قضية «المحرقة» استراتيجية إعلامية فاشلة تماماً تأتي بنتائج عكسية في الصراع الفلسطيني / العربي ضد «إسرائيل». أما المحور الثاني فيحاول إقناع الغرب أن إنكار ما يسمى بالمحرقة لدى العرب يرتبط بإنكار كل شيء يتعلق باليهود و«إسرائيل» من هيكل سليمان في الحرم الشريف إلى علاقة اليهود التاريخية والمعاصرة بأرض فلسطين فهي بذلك دليل على عدائهم للسامية وعلى حقدهم على اليهود حقداً لاعقلانياً لا يعرف المنطق!!

ويلاحظ في ما يتعلق بالمحور الأول من الحملة، أي محور إقناع العرب بالتخلي عن «إنكار المحرقة»، أن فريق الإعلاميين والسياسيين والأكاديميين الصهاينة لا يقول بوضوح لماذا يجب أن يعتبر العرب قضية طرح «المحرقة» بشكل نقدي استراتيجية فاشلة إعلاميا، ولكن الفرضية المتضمنة في هذه الحجة يمكن أن يدركها كل من عاش في الغرب، لأن «المحرقة» أصبحت بمثابة ديانة مقدسة في الغرب، بقرة مقدسة تسرح كما تشاء في حقول الإعلام والفكر والسياسة لا يجرؤ من يريد الوصول والمحافظة على مواقعه الإعلامية والسياسية أن يمسها ولو بوردة. ولذلك، يصنف تلقائياً من يتجرأ على المحرقة على الهامش النازي ويُسفه ويُعزل.. فحجة فشل طرح «المحرقة» بشكل نقدي كاستراتيجية إعلامية تنطلق من ضرورة قبول العرب بالأمر الواقع الذي عرضته الحركة الصهيونية والنخب الحاكمة في الغرب على الرأي العام الغربي حول قدسية «المحرقة» وضرورة قيام كل إعلامي وسياسي بالصلاة في محراب هذا الوثن كي يكتسب المشروعية الإنسانية، لا السياسية فحسب.

ويلاحظ أيضا أن الفريق الصهيوني في الجيروزاليم بوست كرر مراراً أن نسبة العرب الذين ينكرون المحرقة صغير جداً، ومحدود، وليس له وزن حقيقي، وكأنهم بذلك يطمئنون المخدوعين بديانة «المحرقة» المزيفة، ويرسمون معالم الأمر الواقع الذي يريدون فرضه على الرأي العام العربي. وقد كانت نهاية التقرير دعوة إلى الحركة الصهيونية والغرب لتطبيق المقاييس الصارمة نفسها على العالم العربي المطبقة حالياً على دول الغرب بصدد إنكار المحرقة بحيث يعاقب كل من ينكرها أو يشكك في أسسها المصنوعة من ملح الكذب.

ولتأكيد هذا الادعاء الإعلامي الصهيوني، جاءت الجيروزاليم بوست للأسف بالناطق الإعلامي باسم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز ADC، وهي من اكبر التجمعات العربية – الأمريكية، المكونة من ألوف الناشطين العرب، قواعدها في الجامعات الأمريكية والجاليات العربية في الولايات المتحدة، ورأسها في واشنطن دي سي العاصمة السياسية للولايات المتحدة، حيث السفارات ومراكز الضغط والكونغرس واللوبي الصهيوني. المهم، انضم الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز إلى الحملة الصهيونية على صفحات الجيروزالم بوست ضد رابطة الكتاب الأردنيين والمثقفين العرب المعادين لهيمنة الحركة الصهيونية تحت إرهاب إنكار المحرقة قائلاً:

«إن المستعدين حتى لسماع ادعاءات إنكار المحرقة في العالم العربي أقلية صغيرة إلى أقصى الحدود، وأضاف حسين ايبش الناطق الرسمي باسم الـADC، بأن المثقفين العرب والإعلام في لبنان دعوا الحريري لإلغاء مؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية في بيروت، بتأييد من الشعب اللبناني". وأكد السيد حسين ايبش أساطير المحرقة بدون دعم ذلك بأي إثبات، مردداً الادعاءات الصهيونية:«اعتقد أن الأغلبية الساحقة من العرب والفلسطينيين يفهمون بأن لا مصلحة لهم بمسايرة هذه الفكرة السخيفة فالسجل التاريخي واضح بشكل مطلق ويستطيع المرء أن يجادل حول التفاصيل بيد أن حقيقة الإبادة الجماعية الواقعة في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية في أوروبا ضمن محاولة شاملة لتصفية اليهود الأوروبيين والغجر، وأخيراً السلاف وآخرين، ليست حتى موضع تساؤل، واعتقد أن معظم العرب يعرفون ذلك".

ولو قال حسين ايبش انه مضطر لقول هذه الأشياء كي لا تغلق في وجهه المنافذ الإعلامية والسياسية، لهان الأمر. لكن جواب د. هالة مقصود، رئيسة الـADC على رسالة استفسارية، أوضح أن حسين ايبش يعبر عن موقف الـADC .

تغريب الذات

يلوم بعض العرب أنفسهم دائماً على عدم القيام بما يكفي على صعيد العمل الإعلامي الفعال لكسب الرأي العام في الغرب. ولكن هؤلاء أنفسهم، خلال محاولتهم القيام بالجهود الإعلامية اللازمة لشرح القضية العربية للغربيين، يصرون بعناد عجيب على تجاهل أهم مصدر للتعاطف مع الحركة الصهيونية و«إسرائيل» بين شرائح واسعة من الرأي العام الغربي. فهؤلاء يتجاهلون بتحديد اكثر ما يسمى بـ«المحرقة»، وطريقة وسائل الاتصال الجماهيرية في الغرب بإنتاج رسائل يومية تذكر الإنسان الغربي بالمحرقة لإذكاء نيران التعاطف مع الصهيونية، وللتعتيم على كل إثم «إسرائيلي». ومن هنا تأتي بالنسبة لنا أهمية المؤرخين المراجعين، تلك الأرواح الشجاعة القادمة من كل انتماء أيديولوجي من اجل هدم الأسس الثلاثة التي تتربع فوقها أسطورة «المحرقة»، بمنهج تحكمه الصرامة المنطقية والدقة العلمية ونكران للذات تحدوه روح البحث والتقصي والرغبة بإحقاق الحق مهما غلا الثمن.

فليس غريباً إذا أن يرغي الصهاينة ويزبدوا عندما يتعرض وثن «المحرقة» للتدقيق النقدي، وهو الوثن الذي يدر عليهم المال والسلاح والمشروعية السياسية والروحية المزيفة. ولم يكن غريباً أيضا أن يشن الصهاينة هجوماً على رابطة الكتاب الأردنيين بسبب عقدها لندوة تتعلق بالمحرقة يوم 13 أيار / مايو 2001 في مقرها في عمان، بعد أن «أجلت» هذه الندوة مرتين قسراً قبل ذلك. وليس غريباً أن تحشد الجيروزاليم بوست في عددها الصادر يوم 8 حزيران/ يونيو 2001 عدداً لا بأس به من الإعلاميين والأكاديميين والسياسيين الصهاينة لمعالجة مشكلة ما أسمته الجيروزاليم بوست «الإنكار المتزايد للمحرقة في العالم العربي»، لأن هذه لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يهاجم فيها الصهاينة كل من تسول له نفسه التعدي على بقرة «المحرقة» المقدسة، من العرب أو من المؤرخين المراجعين.

بيد أنّ الغريب هو مطالبة أربعة عشر مثقفاً عربياً الحكومة اللبنانية بإلغاء مؤتمر حول «المراجعة التاريخية والصهيونية» كان يفترض أن يعقد في بيروت في نهاية آذار / مارس 2001. فهؤلاء المثقفون، بسبب استلابهم وتقمصهم لقيم ومفاهيم العدو ووجهة نظره في العالم أو بسبب مصالح ذاتية، تنكروا لدورهم الاجتماعي كمثقفين عرب عندما طالبوا حكومة عربية بمنع نشاط ثقافي أو فكري، ولأنهم، وهذا هو الأهم، تبنوا الرواية الأيديولوجية التي تبرر النفوذ الصهيوني عوضاً عن كشفها وتعريتها.

والغريب أيضا، أن تنضم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز، المعروفة في الولايات المتحدة برمز ADC، للهجمة الصهيونية على رابطة الكتاب الأردنيين وعلى المثقفين العرب الذين يتجرأون على مناقشة «المحرقة» وكان أهم ما قدمته الـADC (أو اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز) للصهاينة في هذا السياق ما يلي:

  1. اسم وسمعة الـADC لإدانة العرب الذين يجرءون على مناقشة المحرقة.
  2. إعلان رسمي من قبل الـADC على صفحات الجيروزاليم بوست بالتزامها بالأساطير المؤسسة الثلاث لديانة «المحرقة» المزيفة.
  3. طمأنة الصهاينة والغربيين المؤمنين بهذه الديانة الكاذبة أن عدد العرب المستعدين لمجرد الإصغاء لتقويم نقدي لأساطير «المحرقة» قليل إلى درجة لا تدعو للقلق.

وبالنسبة للنقطة الأخيرة بالتحديد حول ادعاء حسين ايبش بأن عدد العرب المستعدين حتى للإصغاء لنقد «المحرقة» قليل إلى حد لا يدعو لقلق الصهاينة وأنصارهم، فان خطأها واضح جلي، ولعل أحد الدلائل على ذلك الخطأ، الندوة التي عقدت في برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة الجزيرة القطرية يوم 15 ايار / مايو 2001 حيث نوقشت قضية العلاقة ما بين الحركتين الصهيونية والنازية ، وقضية «المحرقة» في مناظرة بين السيدة حياة عطية من جهة، والعفيف الأخضر من جهة أخرى، واكبتها عملية تصويت على موقع قناة «الجزيرة» على الإنترنت، بيّنت أن معظم المشاهدين الذين اشتركوا في عملية التصويت تعاطفوا بشكل عارم مع مواقف السيدة حياة عطية التي أظهرت بشكل علمي وموثق عمق العلاقة ما بين الحركتين الصهيونية والنازية، وتهافت أساطير«المحرقة».

ولعل حسين ايبش يعرف أن ما يقوله عن عدد العرب المستعدين للإصغاء لنقد «المحرقة» ليس صحيحاً، ولكنه قاله رغم ذلك لاسترضاء الحركة الصهيونية واتقاء شرها، وهو ما لا يبرر للـADC فعلتها، بل يكشف ضعف حسها المبدئي، واستعدادها للمساومة على الأسس من اجل الحصول على الفتات. إن الذي يعزز هذا الاعتقاد، ويكشف الفرق ما بين موقف الـADC القائم على اعتبارات سياسية انتهازية على ما يبدو، وموقف المثقفين العرب الأربعة عشر الذين تتبنى عريضتهم إلى الحكومة اللبنانية أساطير «المحرقة» بالكامل، وبالتالي تنحاز للموقف الصهيوني على قاعدة أيديولوجية لا على اعتبارات سياسية، وإن كانت انتهازية، كما هي الحال في موقف الـADC هو ما يلي:

  1. قول حسين ايبش ممثل الـADC في الجيروزاليم بوست إن «المحرقة» شملت الشعوب السلافية والغجر وغيرهم، وهو تعديل على «المحرقة» يضعف من ادعاء الصهاينة بأن «المحرقة» اليهودية فقط فريدة في التاريخ الإنساني بأسره، وبالتالي يضعف من حق الصهاينة المزعوم في تجاوز كل الشرائع الدينية والدنيوية.
  2. على الرغم من أن حسين ايبش يعلن معارضته باسم الـADC للموقف الذي يقول إن «المحرقة» يجب تفنيدها، لأنها تستخدم لتبرير الجرائم الصهيونية في الغرب، فانه يغتنم هذه الفرصة لاستعراض الموقف الذي يدعي معارضته بالكامل.

ولكن بالرغم من هذه الخدع الصغيرة، التي تقوم على إعطاء الحركة الصهيونية ما تريده مقابل اتقاء شرها والحصول على فتات، فان ممثل الـADC لم يوفر جهداً في التهجم على رابطة الكتاب الأردنيين وناقدي «المحرقة»، وسمح لنفسه بأن يعطي غطاءاً عربياً للادعاء الصهيوني بأن تفنيد «المحرقة» ليس استراتيجية إعلامية صحيحة، ويضر العرب اكثر مما ينفعهم، وكأن الهدف الأسمى للصهاينة هو توجيه العرب إلى ما يفيدهم إعلاميا أو سياسياً أو غير ذّلك!!.

والخلاصة هي أن المرء لا يستطيع أن يفصل بين أساطير "المحرقة" واستخداماتها السياسية كما يعتقد البعض أنهم يستطيعون أن يفعلوا، لأن ذلك يشبه القبول بالشجرة ثم رفض ثمراتها، فكل جانب من هذه الأساطير عبارة عن تبرير للصهيونية وممارساتها. فإذا حاول المرء أن يناور قائلاً: "أوافق على غرف الغاز، ولكنني أرفض الممارسات الصهيونية في الأراضي المحتلة..."، قال له الصهاينة: "غرف الغاز تثبت أن اليهود بحاجة إلى ملجأ آمن من لاسامية هذا العالم، ولا يكون هذا إلا بدولة يهودية، أي بإسرائيل". وإذا قال المرء: "إن معاناة اليهود على يد النازيين تشبه ما يعانيه الفلسطينيون اليوم على يد الصهاينة"، أجاب الصهاينة: "أن ما حدث لنا غير مسبوق في التاريخ البشري، ولنا أن ندافع عن أنفسنا بكل الوسائل كي نمنع حدوثه مرة أخرى، ويجب أن يسامحنا العالم". وإذا قال المرء: "سعى النازيون لإبادتكم، فلماذا تسعون لإبادة غيركم؟"، فإن الصهاينة سيقولون: "لا مجال لمقارنة ما يحدث لكم مع ما حدث لنا، فنحن تعرضنا لإبادة منهجية، أما أنتم فقد تعرضتم أساساً لعملية تهجير".

وهكذا... فإن ما يسمى "المحرقة" يضع اليهود فوراً في موقع المدافع عن الذات، والقبول بأي جانب من جوانبها يضع العربي بموقع ضعيف سياسياً، أي موقع من يعترف بمبررات الاحتلال الصهيوني لفلسطين، موقع تغريب الذات. لذلك، أضطر نورمان فينكلستين صاحب كتاب "صناعة الهولوكوست" لرفض جانب الفرادة، فرادة موت اليهود في التاريخ البشري، كي يرفض الممارسات الصهيونية في فلسطين، ولكنه لم يمس أسطورة غرف الغاز، فاعترف بالتالي بحق الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وتحدث نورمان فينكلستين عن المبالغات في الأرقام المزعومة لضحايا "المحرقة" كي يتمكن من كشف الطريقة التي يبتز بها الصهاينة الرأي العام الغربي، ولكنه قبل بأسطورة الإبادة، فترك لعبة الابتزاز نصف مكشوفة. وعلى الرغم من أن المتاح لفنكلستين كيهودي غير متاح لغيره، فإن الخط الذي اتبعه يثبت أنه أدان "إسرائيل" وممارساتها بمقدار ما رفض بعض جوانب "المحرقة"، وتركها غير مدانة بمقدار ما قبل الجوانب الأخرى. والذي يقترحه بعض العرب اليوم كاستراتيجية "علاقات عامة" ليس حتى بهذا المستوى، إذ أنهم يريدون أن يعلنوا تأييدهم لأساطير "المحرقة" بالكامل، لاعتقادهم أن ذلك سيجعل الغرب يحبهم، دون أن يدركوا أن هذه المحبة إن أتت ستكون على حساب حق العودة وهوية فلسطين التاريخية ومشروعية النضال من أجل التحرير بأسره. فلا قبول بالمخرقة إلا بتغريب الذات، ولعل أشد ما يؤيد ذلك القول هو جنوح من يتبنون "المحرقة" من المثقفين العرب إلى اتخاذ مواقف خاطئة أخرى في قضايا التطبيع و العمل المسلح وغيرها.



 



HOME                           اللغة العربية