HOME 

Radio Islam - Palestine - Maroc - Morocco - Ahmed Rami - راديو إسلام  - الإذاعة الإسلامية في السويد - أحمد رامي - المفرب - فلسطين

Ahmed Rami

 أعرف عدوك
اليهود في القرآن الريم
العقيد: عبدالله بن عبدالمحسن القزوعي
ورد ذكر اليهود وبني إسرائيل تصريحاً أو تلميحاً، مسهباً أو مقتضباً في خمسين سورة من القرآن الكريم؛ لما لهم من مواقف تمرد وعصيان مع رسولهم الكريم موسى عليه السلام، وسنقوم في هذه المقالة بدراسة أحوالهم وأخلاقهم ومواقفهم في وقت الرسالة المحمدية كمحاولة لفهم يهود اليوم، وموقفهم من المسلمين، فيهود اليوم متدينون بدين بني إسرائيل، والأسفار المختلفة عن بني إسرائيل هي أسفارهم التي يتلونها صبح مساء، ويتخذونها نبراساً لهم، وقد طبعتهم بطابع بني إسرائيل عقيدة وخلقاً وعقلاً وجبلة وفهماً وهدفاً وسيرة. مما كان منهم في فلسطين من مواقف غادرة باغية لم يرعوا فيها حقاً ولا ذمة ولا شرفاً ولا مروءة ولا إنسانية إلا امتداداً لسلسلة من الغدر اليهودي منذ بداية عهدهم ابتداء برسلهم وانتهاء بحلفائهم على مدى العصور، ويجب أن نعلم أن اليهود مهما علت شمسهم، وشاع ذكرهم؛ فإن الله قد كتب عليهم الذلة والمسكنة والغضب، وأنهم كلما أوقدوا ناراً للحرب، فسيطفئها الله ولن يخلف الله وعده، فيجب أن نعد لهم القوة، وإنا لقادرون بإذن الله على دحرهم، والقضاء عليهم، وتطهير بلاد المسلمين من شرورهم.

من هم اليهود:
قال الله تعالى: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا (2) {الإسراء: 2}.
إذن فكما نفهم من هذه الآية أن اليهود الذين بعث النبي موسى عليه السلام إليهم هم بنو إسرائيل. وإسرائيل هو اسم ثان ليعقوب عليه السلام الذي نزح إلى مصر ليلحق بابنه يوسف عليه السلام، وعاش هناك وتناسلت ذريته ومن معه حتى كونوا فئة في مصر سميت ببني إسرائيل. كما قال تعالى:  فلما دخلوا على" يوسف آوى" إليه أبويه وقال \دخلوا مصر إن شاء الله آمنين 99 {يوسف: 99}.
وفي العصر الفرعوني كان الفراعنة يسومون بني إسرائيل سوء العذاب، فيقتلون أبناءهم، ويستحيون نساءهم قبل بعثة موسى عليه السلام، وبعد بعثته أيضاً؛ حتى خرج بهم موسى عليه السلام من مصر بأمر من الله سبحانه وتعالى؛ كما قال سبحانه: وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم 49 {البقرة: 49}.
ويهود الحجاز الذين وجدوا في المدينة المنورة في عهد الرسول { هم أنفسهم ذرية هؤلاء؛ حيث ربطت كثير من الآيات بينهم.
وقد كان اليهود يعيشون في أحياء وقرى خاصة بهم في المدينة وما حولها، كجاليات طارئة كعادتهم منذ تشردهم في مختلف البلاد، وكانوا قد هاجروا إلى المدينة بانتظار النبي محمد {؛ حيث عرفوا صفته، ومكان بعثته في كتابهم "التوراة".
كان اليهود في المدينة يستعملون اللغة العبرانية في كتبهم، وطقوسهم، ومدارسهم، وتخاطبهم فيما بينهم؛ ولكن هذا لم يمنعهم من تعلم اللغة العربية، والاشتراك في حياة العرب، وتقاليدهم.
وقد نشر اليهود عن أنفسهم بين العرب أنهم أصحاب علم واسع في الأديان، والشرائع، وأخبار الأمم، وسنن الكون، وكانوا يزعمون أنهم أولياء الله وأحبابه؛ مما جعل العرب يرجعون إليهم في كثير من مشاكلهم ومسائلهم، وكانوا يتعاطون أيضاً السحر والشعوذة، وكانوا يمارسون التجارة، وقد كونوا ثروات طائلة باستخدام جميع الوسائل المحرمة من ربا وابتزاز للأموال بالباطل. وقد ساعدهم نفوذهم المادي ومناصبهم الدينية والاستشارية في تقوية مراكزهم وكسب المزيد من الشعبية بين الناس حتى صار لهم أنصار وحلفاء ومحبون من بين العرب.
وكان اليهود في المدينة قد حصنوا قراهم ومزارعهم بالحصون، والقلاع، والأسوار، وامتلكوا مختلف أنواع الأسلحة وبكميات كبيرة من سهام، ونبال، وسيوف، ورماح؛ مما صنع لهم هيبة كبيرة بين أهل المدينة.
ولكن اليهود لم يكونوا متحدين في كيان سياسي أو ديني أو قبلي بل كانوا فرقاً وأحزاباً، وكانوا على خلاف ونزاع، وبإمكاننا أن نقول: إن أهم الفرق اليهودية هم: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع.
ولكن العرب في المدينة كانوا أيضاً على نزاع؛ فقد كان هناك قبيلتان عربيتان كبيرتان هما: الأوس والخزرج، وقد كان فريق من اليهود متحالفاً مع إحداهما، وفريق آخر مع الأخرى. وكان كل فريق يقاتل مع حليفه ضد الفريق الآخر، وقد كان لهم طابع الذلة، والمسكنة، والجبن، وكانوا لأجل ذلك يحرصون على أن يبقى النزاع قائماً بين هاتين القبيلتين العربيتين؛ لئلا يتحدوا ضدهم.
أخلاق اليهود المعاصرين لموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام:
قال الله تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على" لسان داوود وعيسى \بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 {المائدة: 78}.
وصف الله سبحانه وتعالى اليهود في آيات كريمة كثيرة في القرآن الكريم بعدة صفات سيئة؛ بناءً على مواقفهم مع أنبيائهم، ورسلهم.
وقد ربط القرآن الكريم بين اليهود في عصر موسى مع اليهود المعاصرين للرسول في جميع أحوالهم في عدة مواضع، وسنحاول هنا فهم بعض الصفات التي اتصفوا بها في القرآن الكريم:
1- الكفر: قال الله تعالى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على" قوم يعكفون على" أصنام لهم قالوا يا موسى \جعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون 138 {الأعراف: 138}.
ما كاد اليهود يجتازون البحر حتى طلبوا من نبيهم أن يصنع لهم أصناماً؛ مما يدل على رسوخ الوثنية فيهم، ومع أن النبي موسى عليه السلام نهاهم لكنهم عبدوا العجل حين غاب عنهم نبيهم أربعين يوماً فقط، وفي الصورة المقابلة ليهود المدينة فقد كرروا كفر آبائهم حينما أقسموا عند أصنام قريش أن قريشاً على عبادتها للأصنام أهدى من المسلمين حسب ما ورد في كتابهم، وقد كفروا بالنبي محمد { مع أنهم يعلمون أن دينه الحق.
قال الله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى" من الذين آمنوا سبيلا  51 أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا  52  {النساء: 51-52}.
2- الشك في الله وآياته:
فقد طلبوا بكل وقاحة من موسى عليه السلام أن يريهم الله بعد أن تبينت لهم آياته، كما طلبوا من الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم الكتاب من السماء.
قال الله تعالى: يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى" أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم 153  {النساء: 153}.
3- تحريف كتاب الله:
فقد كانوا يحرفون التوراة على ما يناسب أهواءهم، وهم يعلمون أنهم يكذبون على الله، فما بالك بالكذب على البشر. قال الله تعالى: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون  75  {البقرة: 75}.

4- جحود النعمة:
فقد أسبغ الله عليهم الكثير من نعمه وأفضاله، فما قابلوا ذلك إلا بالجحود والإعراض. قال تعالى: وإذ قلتم يا موسى" لن نصبر على" طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى" بالذي هو خير  61 {البقرة: 61}.
5- قتل الرسل:
وهذا لم يتصف به أحد من كفار العصور جميعاً سواهم. قال تعالى: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى" أنفسكم \ستكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون 87 {البقرة: 87}.
6- الاعتداء باللسان على الأنبياء:
حيث لا يتورعون عن دس قصص خبيثة عن الرسل وأهلهم، منها: تقولهم على عيسى ومريم. قال تعالى: وبكفرهم وقولهم على" مريم بهتانا عظيما 156 وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى \بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم157 {النساء: 156، 157}.
7- عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد كان هذا سبباً لتفشي الفساد بين اليهود. قال تعالى: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 79 {المائدة: 79}.
8- أكل الربا:
استحل اليهود الربا مع أنه محرم عليهم، كما استحلوا أكل أموال الناس بالباطل وخصوصاً أموال المسلمين: قال تعالى: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا 160وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما 161 {النساء: 161} .
9- شدة العداوة للمسلمين:
مما جعلهم يتآمرون ضد المسلمين عبر جميع العصور. قال تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا 82 {المائدة: 82} .
10- حب الإثم والعدوان:
قال تعالى: وترى" كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان 62 {المائدة: 62}.
11- سوء الأدب مع الله تعالى:
فقد كانوا لا يتورعون عن أن يصفوا الله تعالى بأقبح الأوصاف. قال تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة 64 {المائدة: 64} كما كانوا يجاهرون بمعصية الله بكل وقاحة.
كما قال سبحانه عنهم: ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين 46 {النساء: 46}.
12- خيانة الأمانة:
وخصوصاً أمانات المسلمين لديهم؛ حيث يعتقدون أن رد الأمانة تكون لليهودي فقط. قال تعالى: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل 75 {آل عمران: 75}.
13- نقض العهود والغدر والخيانة:
قال تعالى: أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون 100 {البقرة: 100}.
وقال تعالى: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على" سواء إن الله لا يحب الخائنين 58 {الأنفال: 58}.
14- الصد عن سبيل الله:
قال تعالى: قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون 99 {آل عمران: 99}.
15- شدة البخل:
وهذه صفة ملازمة لليهود في جميع العصور حتى أصبحت محل تندر بهم قال تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة180 {آل عمران: 180}.
16- الذلة والمسكنة:
قال تعالى: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 112 {آل عمران: 112}.
17- النفاق:
قال تعالى: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى" بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون 76 {البقرة: 76}.
أحوال اليهود مع الرسول { :
قال تعالى: ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين 89 {البقرة: 89}.
لم يصطدم اليهود مع النبي { في مكة؛ لأنهم لم يكونوا يتوقعون نجاح دعوته، ومع أنهم كانوا يعرفون أن رسالة النبي { حق وصدق، ويبشرون به، ويستفتحون على العرب ويقولون لهم: إنهم سيكونون وإياه حزباً عليهم، فلما بعث النبي محمد { كفروا به؛ حسداً للعرب على الشرف الذي نالوه، وقاموا بتحريف كل ما يخص بعثته في كتابهم.
وحين حل النبي { في المدينة كتب بينه وبينهم عهداً أمنهم فيه على حريتهم الدينية، وطقوسهم، ومعابدهم، وأموالهم، وأبقاهم على محالفاتهم مع الخزرج والأوس، وأوجب لهم النصر والحماية؛ مشترطاً ألا يغدروا، ولا يفجروا، ولا يتجسسوا، ولا يعينوا عدواً، ولا يمدوا يداً بأذى، وأوجب عليهم نصر المؤمنين والاتفاق معهم كحلفاء؛ ولكنهم لم يلبثوا أن تطيروا من استقرار الرسول { بالمدينة، وأخذوا ينظرون بعين التوجس إلى احتمال رسوخ قدمه، وانتشار دعوته، واجتماع شمل الأوس والخزرج تحت لوائه بعد ذلك العداء الدموي الذي كانوا من دون ريب يستغلونه في تقوية مركزهم، وقد كانوا يظنون أن النبي { سيجعلهم خارج نطاق دعوته؛ معتبرين أنفسهم أهدى من أن تشملهم هذه الدعوة، وأمنع من أن يأمل في دخولهم في دينه. بل إنهم طمعوا أن يتهود وخصوصاً حين رأوه يصلي إلى قبلتهم، ويعلن إيمانه بأنبيائهم وكتبهم بلسان القرآن ويجعل ذلك جزءاً لا يتجزأ من دعوته قال تعالى: ولن ترضى" عنك اليهود ولا النصارى" حتى" تتبع ملتهم 120 {البقرة: 120}.
ولكن ظنهم خاب، ورأوه يدعوهم في جملة الناس، بل يخصهم بلسان القرآن أحياناً بالدعوة، ويندد بهم؛ لعدم مسارعتهم إلى استجابتها؛ ولموقفهم منها موقف الانقباض ثم موقف الكفر والتعطيل.
وبدأ اليهود رحلة كفرهم بالرسول { حين ذهب وفد يهودي إلى مكة لتحريض قريش على المسلمين، والتحالف معهم على استئصال شأفتهم، وقد ذهبوا مع زعماء قريش إلى الأصنام؛ فتبركوا بها، وحلفوا لهم عندها على صدقهم في محالفتهم، وسألهم زعماء قريش بالله ما إذا كانوا أهدى في دينهم وعقائدهم من محمد { وأصحابه أم أن محمداً وأصحابه أهدى، فقالوا لهم: إنهم هم الأهدى، وبذلك سجلوا أبشع وصمات العار بكفرهم بالله بعد أن تبين لهم الهدى.
ولقد احتوى القرآن فصولاً عديدة انطوت على صور متنوعة لمواقف اليهود من الدعوة في العهد المدني، وتعبر أقوى تعبير عن قوة الدور الذي قاموا به، وشدة نكايته وبعد مداه وأثره. وقد كان لموقفهم وعدائهم تأثير سلبي في سير الدعوة وانتشارها، وفي مركز النبي { والمسلمين، فقد كانوا يقومون بالدسائس بين المسلمين، ويحاولون إثارة الفتنة بينهم، وكانوا يضمرون لهم أشد البغض والنقمة. قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر118 {آل عمران: 118}.
وقد ازداد بغضهم للرسول { حين تحولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وحين حرم على المسلمين الربا؛ مما أضعف الموقف الاقتصادي لليهود، فكانوا يتحينون الفرص للقضاء على المسلمين من الداخل عن طريق الدسائس وإثارة الفتن بين المسلمين حتى إنهم كانوا السبب الرئيسي لظهور فئة المنافقين، ومن الخارج عن طريق إثارة المشركين ضد الرسول { وصحبه رضي الله عنهم ومساعدتهم ضدهم.
نهاية اليهود في جزيرة العرب:
1- بنو قينقاع:
قال الله تعالى: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون 55 الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون 56 فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون 57 وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على" سواء إن الله لا يحب الخائنين 58 {الأنفال: 55}.
عندما نزلت هذه الآية قال رسول الله {: "أنا أخاف بني قينقاع"؛ لأنهم بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر استشعر الرسول { من بني قينقاع الغيظ، فجمعهم وحذرهم، فكان جوابهم وقحاً؛ إذ قالوا له: "لا يغرنك ما نلت فإنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، ولئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس". وبعد وقعة بدر بثلاثة أشهر نقض اليهود عهدهم مع الرسول {؛ حيث يروى أن امرأة من العرب جاءت لسوقهم، وجلست إلى صائغ منهم، فجعل بعضهم يريدونها أن تكشف وجهها، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده بظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين فقتل الصائغ، فاجتمع عليه اليهود فقتلوه، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، فحاصرهم النبي { حتى نزلوا على حكمه، فتصدى عبدالله بن أبي بن سلول الخزرجي كبير المنافقين للنبي { قائلاً له: "أحسن في مواليَّ يا محمد" فما زال يلح بأمرهم؛ حتى وهبهم له، على أن يخرجوا من يثرب، وسمح لهم بأخذ أموالهم، وأثقالهم، وخفيف سلاحهم، فخرجوا إلى أذرعات. وهكذا كان يهود بني القينقاع أول من وقع بهم التنكيل.
2- بنو النضير:
قال تعالى: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار 2 {الحشر: 2}.
بعد وقعة أحد بخمسة أشهر ذهب النبي { إلى محلة بني النضير التي كانت خارج المدينة ليستعين بهم على دية بعض القتلى؛ عملاً بواجب الحلف القائم، فقال بعضهم لبعض: هذه فرصة لا تسنح، وتآمروا على اغتيال النبي {، ونبأه الله بذلك إلهاماً، فنجا وعاد مع أصحابه سالمين، ثم أرسل لهم في اليوم التالي إنذاراً بالجلاء على أن يأخذوا أموالهم، ويقيموا وكلاء على بساتينهم ومزارعهم، وكانوا حلفاء للخزرج الذي كان عبدالله بن أبي بن سلول كبير المنافقين من زعمائهم فأرسل إليهم باسمه واسم من ينضوي إليه في النفاق من قومه يحرضونهم على الرفض، ويطمئنونهم بأنهم لن يحاربوهم مع رسول الله {، بل سيحاربون معهم، فتشجعوا وعصوا أمر النبي { فسار إليهم على رأس المسلمين، وحاصرهم، وضيق عليهم الخناق، وأمر بقطع غراس نخل لهم إرغاماً وإرهاباً لهم، ولم يف المنافقون بما وعدوا، فاستولى عليهم الرعب واليأس، ورضوا بالجلاء بشروط أشد من الأولى بسبب تمردهم، وهي أخذ ما تستطيع إبلهم حمله دون السلاح، والتنازل عن بساتينهم، وعندما خرجوا خربوا بيوتهم وحصونهم.
وقد قال تعالى في المنافقين: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون 11 {الحشر: 11}.
3- بنو قريظة:
قال تعالى: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا 26 وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على" كل شيء قديرا 27 {الأحزاب: 26}.
ومفاد قصتهم: أن وفداً منهم ذهب إلى مكة وإلى قبائل غطفان وقيس وغيلان، وحرضوهم على غزو الرسول {، ووعدوهم بالمساعدة، ومنوهم بخيرات المدينة، وعندما بلغ خبر جيوش الأحزاب رسول الله { أراد أن يتأكد من موقف اليهود، فأرسل إليهم حليفهم سعد بن معاذ ومعه سعد بن عبادة رضي الله عنهما، فوجداهم على أخبث ما يكون من حال، فأمرهم الرسول { أن يكتموا ذلك؛ لئلا يفتوا في أعضاد المسلمين. ولما ارتد الكفار عن المدينة بعد الريح التي أرسلها الله عليهم رجع الناس إلى المدينة، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي { وقال له: "أوضعت السلاح والملائكة لم تضعه بعد، إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة" فزحف النبي { إليهم بجيشه، وحاصرهم (25) ليلة؛ حتى أجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله {، وتشفع لهم بعض من الأوس حلفائهم طالبين الاكتفاء بإجلائهم كمن سبقهم، فجعل النبي { الحكم في أمرهم لزعيم الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحكم سعد بقتل الرجال، وسبي النساء والأطفال، وقسمة الأموال، وقد عرض الرسول { على رجالهم الإسلام قبل قتلهم، فلم يستجب إلا القليل، وبالقضاء عليهم انتهى أمر اليهود في المدينة، ولم يبق منهم إلا القليل من المسالمين.
وما لبث النبي { أن تابع اليهود في خيبر وحاربهم، ثم في عهد عمر } تم إجلاؤهم من جزيرة العرب، لا أعادهم الله إليها.

@ المؤسسة العامة للصناعات الحربية.
وأصل هذا الموضوع ملخص لكتاب محمد عزة دروزة.

تفسير سورة البقرة

بنو إسرائيل: عوائق قيام الأمة الشاهدة

قال الله تعالى{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} البقرة

ليس كتحليل القرآن الكريم لنفسية بني إسرائيل الموتورة وضوحا، وليس كتشخيصه لأدوائها ودوائها وخلفيات تصرفاتها ومراميها دقة، بما فيه من موضوعية تُشْرَح فيها الآيةُ بأختها، ويُبَيَّن فيها المجملُ بالمفصل، ويَتَّضح فيها العامُ بالخاص، ويُمَيَّز فيها الطيبُ بذكر الخبيث، ويَتَّعظ فيها الحاضر والآتي بأخبار الغائب والذاهب، ويَعْتبر فيها المقبلُ بالمُعْرِض، والتقيُّ بالفاجر، والبصيرُ بالأعمى، والمُشْفِقُ بالمُصِرِّ، والسعيد بالشقيِّ.

ولئن اتخذ القرآن من بني إسرائيل مجالا واسعا مستفيضا في حملته على تهافت تصرفاتهم، وغباء تفكيرهم، وتوالي خياناتهم ومكايدهم ودسهم لأنبيائهم ولبعضهم، في سورة البقرة وفي كثير من السور الأخرى، فإنما ذلك منه تربيةٌ للصف المسلم ومن التحق به من أهل الكتاب والمشركين، وتحذيرٌ للمسلمين من مكامن الفساد الذى أطاح بمن سبقهم وسلبهم كرامة الاستخلاف، وشرف حمل الأمانة، وعز قيادة الإنسانية إلى سعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ذلك أن الأمر جد لا هزل، والتكليف الذي طُوِّقُوه مسؤوليةٌ ثقيلة، ووثاقٌ لا فِكاكَ له، وليس لهم إلا أن يوفوا فيفوزوا، أو يُوَلُّوا ويَنْكُلوا فيكونوا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، وما يوم رفع الطور فوق رؤوس ناكثي العهد ببعيد.

إن الله تعالى إذ يرسل رسله إلى عباده، لا يريد منهم إيمانا ميتا رخوا هزيلا ذليلا، أو تكوين أمة عجفاء مستكينة، فالأرض له تعالى، والاستخلاف منه عز وجل، والعزة له ولرسله وللمؤمنين، والولاية في الدنيا لأولياءه على عباده، منه يستمدون القوة، وبنوره يستهدون إلى الحق، لذلك لا يرضى أن تؤخذ تعاليمه بغير الحزم والعزم والجدية واستشعار المسؤولية، وقد استنهض في مستهل البعثة همة محمد صلى الله عليه وسلم لذلك، فقال له:{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} المدثر1/7، وقال:{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }1/5 فكان نصيب امتثاله وما أخذ به الكتابَ أن مدحه ومدح أصحابه بقوله عز وجل:{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ..}الفتح 29، وخاطب من قبل نبيَّه يحيى عليه السلام فقال له:{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة}مريم12. وكذلك كان موسى عليه السلام مضاءَ عزيمةٍ وجديةَ التزام وقوةَ حزمِ وامتثالا لأوامر الله تعالى، إلا أنه ابْتُلِيَ بشعب خائر هابط نفسا وسلوكا، لايكاد يخرج من ذنب أُخِذَ به أو عُفِيَ عنه إلا انزلق لأخطر منه، ولا ينفك مُسْتَنْقَذاً من إساءة أدب أو تصرف إلا تورط في أشد منها أو مثلها.

إن المعالي لا يرتفع لآفاقها إلا أحرار الرجال من ذوي القوة والعزم، ولا معالي في الحياة إلا حمل رسالة التوحيد ونيل حرث الآخرة بالعمل لها، لذلك واصل تعالى في هذه الآيات الكريمة تذكيرنا بأخطر مفاصل الانحراف العقدي لدى كل من آمن أوادعى الإيمان، وهي الضعف النفسي والرخاوة في أخذ المسؤولية وتحمل الأمانة، ذلك أن تكاليف العقيدة ثقيلة{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}، والنُّكول عن أدائها بعد حملها أو ادعاء حملها منذر بالعواقب الوخيمة، وما وقع لبني إسرائيل خير مثال لذلك. إذ رفع الجبل فوق رؤوسهم غضبا من الله تعالى، لتقاعسهم عن حمل الأمانة وتخاذلهم عن أداء تكاليفها، قال تعالى:{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

فما المخالفة الجديدة التي تحرك لها الجبل وارتفع ؟!

أما انتسابهم إلى نبي الله يعقوب (إسرائيل) فمما يعرفونه ويفخرون به.

وأما الديانة اليهودية فمما ينتحلونه.

وأما اتباعهم موسى والتصديق به وبتعاليمه فمما يدعونه..

فما المخالفة التي أخذوا بها هذه المرة؟

لقد سألوا نبيهم أن يكون لهم مرجع عقدي في حياتهم يتحاكمون إليه، ولبـى الله تعالى طلبهم فأرسل إليهم التوراة عند مناجاته موسى في الميقات، ولما رجع إليهم بألواح الكتاب وجدهم عبدوا العجل، ثم بعد أن تابوا وطهروا صفهم من المفسدين طلبوا أن يروا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا بها، ثم بعثوا بعد موتهم لعلهم يشكرون. فما جريرتهم هذه المرة حتى رفع الجبل فوق رؤوسهم؟

لقد كان الخلل في كثير من مخالفتهم راجعا إلى غبش في تصورهم الإيماني، تصورا لله على غير حقيقته، أو للنبوة على غير طبيعتها، أما في هذه الحالة الجديدة، فالأمر مختلف، إنه نقض صارخ لميثاقهم مع ربهم إذ واثقهم، وخيانة بينة للعهد الذي عاهدوه، وما التثاقل الذي أخذوا به أمرهم والتقاعس الذي بدا في تصرفاتهم وأقوالهم إلا عرض من أعراض الداء الذي استقر في نفوسهم.

والميثاق لغة من فعل "وَثِقَ به يثِق" كورِث يرِث أي ائتمنه وسكن إليه، والوثيق الشيء المحكم، جمع وثاق، والميثاق عقد مؤكد بيمين وعهد قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّين}آل عمران81، وقال:{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}الأحزاب7.

ولئن كان الميثاق الرباني المأخوذ على بني آدم وهم في ظهور آبائهم عاما مطلقا على توحيد الألوهية والربوبية، والعبادة والطاعة كما قال تعالى:{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}الأعراف172/173، فإن ميثاقه عز وجل لبني إسرائيل كان أكثر خصوصية وتفصيلا، إذ شمل جوهر العقيدة إيمانا وتصورا في القلب، وتفعيلا للطاعة تحملا للتكاليف، وقوةً في القيام بها وأدائها وتبليغها، فلما بلغهم التوراة وفيه تفصيل شروط الميثاق بآصاره وأثقاله، وتبيان واجباته ومحرماته وأوامره ونواهيه، استثقلوأ الأمانة وكبُرَ عليهم حملها وأبَوْا أن يقبلوا بأحكامها، وتقاعسوا عن الامتثال لأوامرها وتعليماتها والعمل بها، فرفع الجبل على رؤوسهم ليُقِرُّوا بما عاهدوا الله عليه، ويأخذوه بقوة وحزم وهمة عالية، وهو ما ورد أيضا في الآية 171من سورة الأعراف بقوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

والجبل الذي رفع فوقهم تخويفا من غضب الله هو الطور كما ذهب إليه أغلب المفسرين وكما يشير إليه قوله تعالى:{ ونَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}مريم52، وقوله:{ ويَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}طه 80. إلا أن هذا التخويف منه تعالى لهم أرْبَك بعض المذاهب في تفسير الآية، فأثيرت قضية عقدية متعلقة بالإكراه على الإيمان ومدى صحة التكليف بالقَسْرِ والإلْجَاءِ، لاسيما والله تعالى يقول:{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي }البقرة 256، ويقول:{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر}الكهف 28. إلا أن رفع الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل لم يكن لحملهم على الإيمان، لأنهم منتسبون لفئة المؤمنين منذ تركهم جدهم يعقوب عليه السلام (إسرائيل) على ملة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى{ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}البقرة133، وإنما كان التخويف من أجل أن يستشعروا مسؤولية اختيارهم فيعملوا بمقتضاه، وما داموا يعلنون الإيمان حقا أو زعما، فعليهم أن يقبلوا بنتائج ما يعلنون، إذ الرضا بالشيء رضا بنتائجه، وإلا فالأمر لهو واستهزاء وتعابث.

هذا هو المفصل العقدي الذي رُفِع بسببه الجبل، فلا إكراه في الدين حقا، وعلى المرء أن يختار بكل حرية، وأن يتحمل نتائج اختياره الحر، وما سوى ذلك لعب وسخرية بالأمر والآمر. وما الأمر الذي تثاقل له بنو إسرائيل إلا أن يأخذوا التوراة بقوة إرادة في التطبيق، ومضاء عزيمة في التنفيذ، فيواظبوا على تلاوتها ودراستها وتدبر توجيهاتها والعمل بأحكامها وعدم نسيانها، ليكون لهم ذلك وقاية ونجاة بين يدي الله تعالى: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وهي إشارة واضحة إلى أن الإيمان المُجْمَل المَشُوب بغَبَش الرؤية وغموض الهدف وشَغَب الهوى ليس بمنج يوم القيامة، وإنما المنجي هو التصور الإيماني الواضح والعمل بتفاصيل ما ورد به الميثاق في الكتاب.

ولئن عاد لبني إسرائيل رشدُهم بفعل الرَّجَّة النفسية التي أحدثها رفع الجبل واطلعوا بها على مدى غضب الله عليهم، مع عظيم قدرته وشديد سطوته، فقبلوا أخذ التوراة بشرطها، فإنهم لم يمتثلوا أوامرها ونواهيها إلا فترة قصيرة كما يبدو من سياق قوله تعالى{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}، والتولي لغة هو الإدبار والإعراض عن الشيء بالجسم، ثم استعمل مجازا في الإعراض عن الآراء والأفكار والمعتقدات والعهود والمواثيق، وفي العصيان وترك الطاعة، فيقال:" تولى فلان عن طاعة فلان أو عن موالاته"، ومنه قوله تعالى{ فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}التوبة76. وقد علم من سياق الآية أن بني إسرائيل بعد قبولهم التوراة عقب رفع الطور على رؤوسهم، امتثلوا الأمر مدة وجيزة ثم تركوه، كما علم من أخبارهم في سور من القرآن أخرى أنهم حرفوا التوراة وقتلوا الأنبياء وكفروا بهم وعصوا أمرهم، من ذلك مافعله أوائلهم وما ارتكبه متأخروهم، وكانت رحمة الله تتداركهم بالتوبة عقب ما يرتكبون، لذلك عقب تعالى بقوله{ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، أي لولا حلم الله وإمهاله لكم ترغيبا لكم في التوبة وتذليلا لطريقكم إليها لعاجلكم بعقابه فخسرتم الدنيا والآخرة.

ثم لما ذكرهم بنعمة هذا العفو المتوالي الذي نجاهم به من الخسران، قَرَعَهم عز وجل بقصة المعتدين في السبت إذ خالفوا أمرا واحدا من أوامر الله استخفوها وتحايلوا عليها، فأنزل بهم عقوبة لم يسبق أن عوقب بها أحد من الناس، فقال عاطفاً على ما تقديره : لقد علمتم ما سبق من مخالفاتكم وما عوقبتم به لأجلها، وما أسبغ عليكم من نعمة الرحمة واللطف والتوبة والمغفرة والعفو، فتذكروا ما تعلمون أيضا من أمر قوم كانت عقوبتهم أشد وأنكى لمخالفتهم أمرا واحدا من أوامر الله:{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}. وقد شرحت تفاصيل ما حدث لهؤلاء القوم من بني إسرائيل، في سورة الأعراف بقوله تعالى:{ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} الأعراف163/166.

يخاطب الله اليهود المعاصرين للبعثة النبوية بقوله{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } إحالة لهم إلى ما يعلمونه عن طريق أحبارهم وعلمائهم بالتواتر من أمر هؤلاء المعتدين في السبت، وقد كانوا في "أيلة" زمن النبي داود على أرجح الأقوال، ولذلك لم تذكر قصتهم في أسفارهم القديمة ، فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عليها في معجزة غيبية أخرى من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يذكرهم بسؤالهم عنها مسندا الأمر لعلمهم، تأكيدا لوقوعها حقيقة، فقال في سورة البقرة {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ...} وفي سورة الأعراف {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ...}، وتَتَامَّتْ قصتهم في السورتين لتكون عبرةً وعِظَةً للمسلمين ومعاصرى البعثة النبوية من بني إسرائيل.

لقد كان هؤلاء القوم يحتالون على انتهاك محارم الله، بما يتعاطوا من الأسباب المباحة في الظاهر، المؤدية في الباطن إلى تعاطي الحرام، تحايلا على الشريعة، ففاجأتهم نقمته عز وجل على صنيعهم واعتدائهم باتخاذهم المباحَ ذريعةً إلى الحرام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ما رواه ابن بطة عن أحمد بن محمد بن مسلم عن أبي هريرة بإسناد جيد، وثَّق فيه الخطيب في تاريخه ابنَ مسلم وباقي رجاله مشهورون ثقات: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ).

والقصة وردت مفصلة في سورة الأعراف، وأشير إليها في الآية 124 من سورة النحل بقوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيه}، والآية 154 من سورة النساء بقوله: {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وفصل أحداثها المفسرون بما ذكروه من أن أهل قرية من بني إسرائيل وقد حرم عليهم الاكتساب يوم السبت ليتفرغوا فيه للعبادة، وأراد الله أن يختبر استعدادهم للوفاء بعهودهم، فابتلاهم بتكاثر الحيتان يوم السبت دون غيره ، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم وقد خلا من الصيادين قريبة المأخذ سهلة الاصطياد، فقال بعضهم لو حفرنا لها حياضاً وشرعنا إليها جداول يوم الجمعة فتمسك الحياض الحوت إلى يوم الأحد فنصطادها، وفعلوا ذلك فغضب الله تعالى عليهم لتحايلهم على الأمر الإلهي بتعظيم يوم السبت والتفرغ فيه للعبادة. وكانت منهم طائفة أخرى استنكرت المخالفة ونصحتهم بالكف عنها، وطائفة اعتزلت وسكتت فلم تفعل وقالت للمنكرة: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } ؟، أي لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم. فقالت لهم المنكرة: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}أي: لقد كان إنكارنا اعتذارا إلى الله مما يفعل سفهاؤنا، وأملا في أن يتقي المخالفون غضب الله وعاقبة أمرهم فتكون منهم توبة ورجوع عما يفعلون.

فلما أصر الفاعلون على فعلهم ونسوا ما ذكروا به من تحريم، أنجى الله الطائفة المنكرة بلسانها والطائفة المنكرة بقلبها، وأهلك الطائفة الثالثة التي وقعت في الحرام، قال تعالى:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}الأعراف 165.

لقد كان هذا العذاب الذي حاق بهم نوعا لم تعرفه البشرية من قبل، لشدته ونُدْرَتِه، إذ صدر عن الله تعالى في حقهم أمر تحويل وتكوين، قال تعالى:{ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، مسخوا قردة مبعدين مطرودين من الرحمة، من الخسأ وهو الطرد والإبعاد، يقال:"خسأته فخسأ وانخسأ"، أي طردته فانطرد ذليلا صاغرا. وكان هذا العقاب القاسي منه تعالى نكالا، أي قيداً مانعا، وعقوبةً زاجرة، وتحذيرا لمن عاصروا الحادثة {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا }، وعبرة لمن يأتي بعدهم من الشعوب والأقوام {وَمَا خَلْفَهَا }، وَعِظَةً للذين يخافون الله ويتقون غضبه وعذابه{ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.

ولئن أثار بعض المفسرين تساؤلات لا فائدة فيها ولا عبرة، عن كيفية مسخ هذه الطائفة قردةً، وهل مسخت نفوسهم وبقيت أجسادهم على ما خلقت عليه، أم مسخت الأجساد نفسها، وهل كانوا بعد مسخهم يأكلون ويشربون ويتناسلون أم لا، وهل طالت أعمارهم أم عاشوا بعد المسخ زمنا قصيرا، واعتمدوا فيما ذهبوا إليه على تأويلات وأخبار لا تصح، فإن ظاهر الآية الكريمة لا يفيد إلا إفادة مجملة بمسخهم قردة، وقدرة الله تعالى تسع كل ما يريد، وليس لنا أن نتمحل ونتكلف ما ليس لنا به علم، وقد قيل لهم كونوا قردة خاسئين فكانوا، وهذا مبلغ علمنا.

ثم أجمل تعالى كل تصرفات بني إسرائيل المنحرفة بأن أورد قصة حادثة البقرة وقد سميت السورة بها، مما يشير إلى أهمية موقعها من سياقها العام، فقال:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، والخطاب موجه إلى يهود البعثة النبوية يقول لهم:"واذكروا إذ قال موسى لقومكم السابقين إن الله يأمركم بذبح بقرة"، وكان هذا الأمر عقب العثور على قتيل من بني إسرائيل لم يعرف قاتله، فتنازعوا وأخذ كل منهم يدفع التهمة عن نفسه ويرمي بها غيره، فسألهم موسى عليه السلام فجحدوا، وسألوه أن يدعو الله ليبين لهم القاتلَ الحقيقيَّ، فدعا موسى ربه فأوحى إليه أن يذبحوا بقرة، فقال لهم موسى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، فدَهِشُوا وقالوا بسفاهة وحماقة { أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً } أي أتجعلنا موضع سخريتك؟ فأجابهم مستعيذا بالله من أن يكون جاهلا يخبر عن ربه بما لم يأمره به:{ قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين } وغير خفي ما في جواب موسى من تعريض بسوء أدب قومه في مخاطبتهم إياه، وفي حديثهم عن ربهم، إذ هو بصفته نبيا معصومٌ من الهزء في تبليغ أوامر الله، وما بدا منهم لا يليق أن يصدر من عقلاء العامة فضلا عن سراتهم وحكمائهم.

لكنهم لخواء عقولهم وجهالة طبعهم وبلادة حسهم لم يرتدعو عما نهوا عنه تعريضا وتلميحا من نبيهم، بل تمادوا فيما جبلوا عليه:{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ }، أي اسأل ربك يبين لنا صفات البقرة ومميزاتها، وسؤالهم هذا يكشف مكنون قلوبهم وقاحةً وجراءةً فاجرة وقد دأبوا كلما جَدَّت لهم حاجة على مخاطبة نبيهم بقولهم له{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، كأنما الله إلَهٌ لَهُ وحده، إلا أن الرسول الكريم تغاضى عما بدر منهم وأعرض عن سفاهتهم قائلا:{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}، أي إن ربكم يقول لكم: إن البقرة التي آمركم بذبحها لا هَرِمَة مُسِنَّةٌ ولا بِكْر صغيرةٌ لم يَلْحَقْها الفحل، بل عَوَانٌ نَصَفٌ، بين الكِبَر والصِّغَر، فاتركوا الإِلحاح في الأسئلة ، وسارعوا إلى امتثال ما أمرتم به.

ومع أن الاعتراض على من ثبتت نبوته بالأدلة والمعجزات كفر، فإنهم لم يمتثلوا ولم يفعلوا، بل عادوا للسؤال تماديا في الجفاء وسوء الظن { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}، فأجابهم موسى مرة أخرى متغاضيا عن جهالتهم:{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}، أي أن لونها شديد الصفرة ناصعها، وهو لصفائه وحسنه يسر الناظرين، إلا أن هذه الأوصاف التي ذكرت لهم لم تَرْوِ شغفهم إلى الجدال والمماحكة فعادوا لسؤال نبيهم مرة أخرى بنفس ما عُهِد فيهم من صفاقة:{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}، فأجابهم موسى بما عهد من أخلاق الأنبياء:{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا} أي أن البقرة مُسَّلَمة من العيوب مطلقا، وليست مُذَلَّّلَة بالعمل إثارةً للأرض أو سَقْياً للحرث، لأن الاستعمال عادة يظهر في البهيمة النقص أو العيب، كما أن لونها لم تَشُبْهُ سِمَةٌ أو علامة أو لون مغاير { لاَ شِيَةَ فِيهَا}، من الوشي وهو تطريز الثوب أو نسجه بأكثر من لون واحد. وهنا فقط أبدوا تصديقهم لموسى ولكن بنفس الركاكة المعهودة في خطابهم للأنبياء: { قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.

ثم بعد تنفيذ الأمر تبدأ معهم قضية أخرى، قضية قتيلهم الذي لم يعرف قاتله، وهي الغاية التي من أجلها ورد الأمر بذبح البقرة، فيُسَاق الخطاب فيها أيضا على نحو الخطاب في الآيات السابقة، بتنـزيل المخاطبين من يهود عصر البعثة منزلةَ أسلافهم، تقريرا لقاعدة سريان طباع السلف وأخلاقهم إلى الخلف، لما للبيئة والتربية من تأثير، فقال تعالى:{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}.

وقد ورد في الآثار روايات مختلفة عن ظروف هذه الجريمة وملابساتها، أقْرَبُها إلى الصحة أنه كان في بني إسرائيل رجل غني ، وله ابن عم فقير لا وارث له سواه ، فلما طال عليه موته قتله ليرثه، وحمله إلى قرية أخرى فألقاه فيها، ثم أصبح يطلب ثأره، فكان الوحي من الله تعالى لموسى أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل بأي جزء من أعضائها، ففعلوا فعادت إليه الحياة وأخبر عن قاتله.

ثم يعقب تعالى على حادثة الإحياء هذه بقوله: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، لينبه إلى حقيقة عقدية هي مفتاح سر الحياة والممات، والعلامة الفارقة بين السعادة والشقاء، إذ بمثل هذا الإحياء الذي شاهدوه عيانا يحيي الله تعالى الموتى ليوم الحساب، وبمثله يبين لخلقه آياته ودلائل قدرته وواسع علمه تنويرا للعقول وتوضيحا للحال والمآل، وإقامة للحجة { أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}الأعراف172.

وجمهور المفسرين على أن جريمة قتل النفس كانت قبل الأمر بذبح البقرة، إلا أن السياق القرآني قدم نبأ قوم موسى في عصيانهم أوامر نبيهم ومجادلتهم إياه وجراءتهم على التعريض به والشك في ما يبلغه لهم عن ربه، لأن مجرى الكلام تعديدُ جنايات بني إسرائيل وعرضُ سوء طباعهم وضعف إيمانهم واضطراب مواقفهم، ولذلك أخر عرض حادثة القتيل ليبتدئ بأشرف القصدين، إذ الجانب العقدي أس بناء الجانب التشريعي ومقدم عليه، وإن كانت القصتان معا مسوقتان للتقريع، تقريع على ضعف الإيمان والاستهزاء وسوء القصد والتأويل وضعف الثقة في واحد من أولي العزم من الرسل، وترك المسارعة إلى طاعته والامتثال لأمره، وتقريع على العدوان وقتل النفس المحرمة وما تلاها من تدارئهم وتكاذبهم وتقاذفهم الذنب على بعضهم.

وتختم القصة بوصف دقيق لنفسية بني إسرائيل التي انكشفت ميدانيا، بعد معرفة القاتل، وجراءته على أن يقسم بالله مدعيا البراءة من الجريمة المرتكبة، كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، فقال تعالى:{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون}.

لقد صارت قلوبهم بكثرة المعاصي وتوالي التجرؤ على البارئ عز وجل محجوبة عن الحق، كثيفة الطبع أشد قسوة من الحجارة، لما جبلوا عليه من الجفاء والفظاظة، وجفاف الأرواح والأفئدة والأعين من الحياء والأمانة والوفاء، وما طبعوا عليه من سوء الأدب والتمرد على الطاعة والمماطلة في الانصياع، والجبن عن الجهاد والخوف من غير الله، وكتمان الحق وتحريف الدين والمتاجرة فيه، والإلحاف في السؤال والتنطع في مجادلة الرسل والأنبياء، والاعتداء عليهم بالقتل والمطاردة وحملات التشويه والافتراء. وهم بعد كل هذه الآثام المرتكبة لاهون وفي الغفلة سادرون{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

لقد جسد سلوك بني إسرائيل في حادثة البقرة كل عوائق الإيمان والعمل الصالح، وجميع موانع قيام الأمة الشاهدة، وإن جديرا بالأمة الجديدة الناشئة بين شعاب مكة المكرمة ولأبتي المدينة المنورة (حرتيها)، أن تنأى عن هذه المثالب والخطايا والآثام التي عصفت بأمة سبقت إلى القوامة على دين الله وقيادة البشرية في الأرض ثم سلبتها.

لذلك سميت السورة كلها "سورة البقرة" أو "السورة التي تذكر فيه البقرة"، كما ورد في الأثر، لما لها من مكانة محورية فيها، ولما كشفته من رذائل أخلاق أطاحت بأمة اؤتمنت فخانت، وسادت ثم بادت، ولن تقوم للأمة البديل- أمة محمد صلى الله عليه وسلم- قائمة إن لم تجتنب تلك المزالق المردية والمسالك المهلكة. ولذلك حرص القرآن على الإطناب في التحذير منها والتنديد بها وكشف خلفياتها وأسبابها ونتائجها وعواقب مرتكبيها.

المقاومة بسلاح المقاطعة: قاطعوا اليهود !

أخي المسلم: إن تعذّر عليك أي فعل أو جهاد مقاوم، فبربّك، على الأقل، قاطع اليهود بكل ما استطعت، وأينما كنت في العالم: ماليا و تجاريا وسياسيا وثقافيا وإجتماعيا وإقتصاديا. وهذا من حقك القانوني الفردي والديمقراطي المشروع.  فلا تدعم - بأي طريق، مباشر أو غير مباشر، عدونا اليهودي. وهذا أضعف الإيمان أن تقاطع اليهود وتمتنع من دعمهم كأعداء، سواء بالمال أو بالتعامل التجاري أو السياسي أو الثقافي. وحاول أن تقاطع كل السلع اليهودية وكل الشركات اليهودية وكل المتاجر والمحلات اليهودية.  وقاطع أيضا كل خائن يتعامل مع اليهود أو مع تجارتهم وسلعهم ومحلاتهم ومتاجرهم. إن كل ربح تجاري يكسبه منك يهودي قد يذهب كمشاركة منك غير مقصودة  للمشاركة في المجهود الحربي اليهودي الإسرائيلي للإستمرار في إحتلال وقتل إخواننا الفلسطينيين كخطوة أولى لإخضاعنا جميعا ولتركيع أمتنا الإسلامية وإذلالها وإستعبادها.

المجزرة اليهودية في غزة


دماء الشهداء لن تذهب هدرا
 
 
إسماعيل هنية

  غزة وضرورة المقاومة

خطوة على طريق التصدي
   
للهيمنة اليهودية عالميا

شروط تفكيك الكيان الإسرائيلي
    يحي أبوزكريا

الحرب الإعلامية:هل انقلب
 
  السحرعلى الساحر؟
م. بشور
 

الحرب النفسيّة اليهودية
    لإحتلال عقولنا، أسعد أبو خليل
 

"كتّاب" الطابور الخامس
    وتبريرالعدوان اليهودي

التعاون مع العدو كفر وخيانة
   
- بيان من العلماء المسلمين

التعاون مع العدو جريمة
    لا "وجهة نظر"!
ع.أومليل

حكاية البهائي محمود عباس

مسيرات الشعب المغربي
    من
أجل غزة

صادرات إسرائيل إلى المغرب
   20 مليار خلال السنة الماضية

الخونة والأقلام المأجورة !
   
محمد الشبوني

اليهود ممسكون بخناق القرار
    الغربي
عبد الكريم مطيع

إسرائيل: حاضنة الإرهاب
    اليهودي
، عبد الله آل ملهي

هستيريا الخونة سميح خلف

علماء السلاطين أم تُجار دين ؟

قائمة لعملاء العدو، قائمة العار

مطالبة شعبية
    بتجريم التطبيع مع العدو

الموت لحكامنا المتحالفين
    مع اليهود
،
منير باهي

يوميات رجل خليجي

"جنرالات" كرة القدم
    في المغرب
!

الحمار المحتل

العيب فينا ؟
    
أم في الهيمنة الخارجية؟

"هيبة الملك" في المغرب
     علي الوكيلي

هل سيتحقق هدف حصار غزة ؟
    سوسن البرغوتي

كيف تمت سرقة المغرب؟
   
مصطفى حيران

موت الأنظمة وعجز الشعوب
    أحمد منصور

عنتريات الحكام ضد شعوبهم
    وتواطؤهم مع اليهود نزار قبانى

تقرير سري جدا
     من بلاد قمعستان،نزار قبانى

متى يعلنون وفاة العرب؟
  
 نزار قباني

إما نكون أعزةً أو لا نكون!
   
أحمد باكثير

المفسدون في الارض
    أحمد حسن المقدسي

الكلام، زيّ الحسام...
    
حوار مع أحمد فؤاد نجم

اتركوني أبكي ...
   
عادل الحياني

أيها الساكن في قصور
    الفجور
د.مازن حمدونه

أشهد يا عالم! حسن العشوري

أسماء بعض كبار مجرمي حرب
   الإبادة بغزة المطلوبين للمحاكمة


بيان إلى الأمة بشأن غزة

دعوة لإعلان الإنتفاضة

عندما فشل الحصار

نهجان في مواجهة العدوان

تصفية القضية الفلسطينية

أصبحنا غرباء في بلداننا

بروتوكولات حكماء صهيون

الدعاء الرسمي للحكام العرب

خفافيشٌ اليهود تريدُ دمَاءَن

أول العرب هم الفلسطينيون

طاطي رأسك طاطي...

تضامن مع غزة في المغرب

أحمد رامي Ahmed Rami 

باللغة الإنجليزية English

باللغة الفرنسية  Français

 بالعربية Arabic
 

مجزرة اليهود بغزة في صور

رسوم عن جرائم اليهود في غزة

مناظرمن جرائم اليهود في غزة

صور الهمجية اليهودية في غزة

صور لرسائل حب الأطفال
    اليهود لغير اليهود
!


100 كاريكاتور
    عن الوقاحة اليهودية


ملحمة غزة وهزيمة الخونة
   
فهمي هويدي

جريمة محرقة غزة لن تمر
    فهمي هويدي

 بالخداع يحاول اليهود تحقيق
    ما عجزواعنه بالسلاح
ف.
هويدي

خطاب لن يلقيه مبارك
 -  فهمي هويدي

اسمحوا لي أن أبصق على
    مجتمعنا، أحمد رامي


أخي لقد جاوز الظالمون المدى
     فحق ا
لجهاد وحق الفداء!


أيها المسلمون: فيقوا وانهضوا

إستشهاد المجاهد سعيد صيام
    القيادي في حماس


في ذكرى جمال عبد الناصر
    بيان عن ملحمة غزة


أعرف عدوك:
    اليهود في القرآن

غزة: معنى وقف إطلاق النار
    عزمي بشارة

الوسيط اليهودي ساركوزي!
    عبد الباري عطوان

ثقافة الإستسلام
    عبد الباري عطوان

غزة تفضح "عرب" التواطؤ
    عبد البارى عطوان

لم ولن يستسلم المجاهدون !
    عبد البارى عطوان

غزة وسقوط الأقنعة
  
 رشيد نيني

لن نصدقكم أيها الحكام!
  
    
د. فيصل القاسم

غزة وثقافة المقاومة !
    حسن بويخف

حكامنا، حكام الردة والخيانة
    صلاح عودة

محرقة غزة ودعاية مخرقة
   اليهود
عبد الله الدامون

اللص اليهودي، وكلابه
  
 عبد الله الدامون

ما العمل، يا أحبار الهزيمة؟
  
 نور الدين لشهب

إنهاء الإحتلال، لا المقاومة!
  
 صبحي غندور

بداية للتصدي للهيمنة اليهودية

دعوة للتخلص من الحكام
   المنافقين الذين عرتهم غزة

حجب المواقع المعارضة
    في المغرب

العرب ظاهرة صوتية
    أمام الاحتلال،
أميمة أحمد

غزة بين ظلم الأعداء
    وغبن الأصدقاء
، ن. علوش

مبارك لإسرائيل:
     
"أكسروا حماس" !

محمد السادس "يتجرأ"...
   
على شافيز
!

محمد السادس أميرالمؤمنين
    أم أميراللواطين؟

"محمد السادس" يرفض
    إستقبال نائب أحمدي نجاد !

القمة، أو"القمامة" العربية!

قمة الانحدار. لا رأي
    لمن لا قوة له!
رشيد نيني

دعاء الحكام في مؤتمرالقمة:
   
"اللهم انصراليهود"!

 اليهود في القرآن

مرشد الثورة الإسلامية
   
يهاجم الخونة

يهود المغرب، طابور خامس

إعتقال مسؤول مغربي
    لأنه لم يقبل يد الملك
!

المارد الإسلامي يخرج من
   صندوق الاقتراع
أوري أفنيري

القدس

غزة العز، قلب أمة ينبض

لن يكون مع اليهود سلام

فيلم يهودي في المغرب

فقدان حقوق الإنسان العربي
 

FRENCH

ENGLISH

Photos du massacre
    juif à Gaza

Photos et l'idéologie
     derrière le massacre


Chronique illustrée du
    massacre juif de Gaza


  Images des bestialités
     juives à Gaza


Les messages d'amour
    des enfants juifs


100 caricatures
    sur le culot juif


200 citations
    sur les juifs


Que veulent les Juifs,
    au juste ?
M. Mahmud


La France
    est occupée !


Obama raconte à
    sa fille...
M. Collon


Pas de paix
    sans Justice!

       Michel Collon


France: une prison
     idéologique!
Dupont


Guerre totale
     contre l'Islam

        Ahmed Rami


Céline et les juifs...


Les plans stratégiques
     juifs de Sarko


Que faire ? Bilan et
     perspectives d'action

     
Michel Collon


«L'Holocauste»:
    un mensonge
   
historique!
   
 R. Faurisson


Ben-Gourion:
    "Nous avons volé
     la Palestine"
 
       
Khalid Jamai


Le massacre de
    1400 palestiniens
     à Gaza. P. Randa


Les juifs ont violé
    notre conscience
       BELAALI Mohamed


Boycottons
    les produits juifs


Macias en France
     veut mourir
     pour
Israël !


La libération
    de la Palestine
    passe par la notre!

     
C. Bouchet
 


Libérer les Français
    des mensonges juifs,
  
  Alain Gresh


Gaza, choc et effroi
       Alain Gresh


Levons-nous !


En France:
    les
juifs déforment
    
les magistrats!


Le massacre
    juif de Gaza.

    M. Collon


On ne peut pas
    dire la vérité.

     Michel Collon


Arrêtons les
    massacres
!
    Gilbert Perea


Qui recherche la
    vérité,
est interdit

      
Ivan de Duve


Les Israéliens
     s'illusionnent

        Abdel-Jawad


"J'écrivais des textes
     que d’autres signaient."
       Simon Levy


Les juifs gouvernent
     le monde
 Mahathir M.


La crise financière,
     pourquoi...?


Le pouvoir juif 
    persécute Siné !


Les racines des
    crimes juifs actuels
,
      Robert Faurisson


Les plans stratégiques
 
  juifs du rusé Sarkoy!


“Tsahal” recrute
    en France


Un "peuple"
    ou d'une mafia?
    
Shlomo Sand


Que dit la bible juive?


Les Juifs contrôlent
    le monde entier

       Abdallah Aal Malhi


"Merci Hitler"!


"H. Clinton:
     une pute juive"


Ahmed Rami


Arabe بالعربية


Anglais
 


 

Photos of the jewish
    massacre of Gaza

Album of the idéology
   behind the massacre


  The Jewish massacres
     in Gaza,
 photos


Images of the Jewish
     bestiality in Gaza


When Jewish children 
    send 'love' messages


100 cartoons about
    jewish domination


For Whom
    the Gaza BellTolls


The Jewish terrorist Stat


Judaism in its finest hour !


What Jews say, what world
   famous men said about Jews


Israel Is Committing
    War Crimes


I am Israel


Wake up Germany !


How to Kill a Palestinian


The Jewish Purim:
  
  What's It ?


The Jewish Yom Kippur
    What Is It ?


How Jewish leaders
     kill for Jewish votes


Israel Seeking Arab
    Obeisance


The US Promotes Jewish
    Genocide Against Gaza


"European" or Jewish
       initiatives in Gaza ?


Jewish massacre of Gaza


Bombing of the University
     in Gaza!


The Jewish
     Holocaust in Gza


A Jewish Extermination
    Campaign


Economical War
    & Jewish domination


Israel: Boycott
    and Sanction


Fatwas on the
    Boycott of Israel


US products' Boycott
    starts in Malaysia


Ten Key Questions
     to The Jews


No congratulations
    to Obama


Madoff and its
    victims Victims


A North American
    Statementon Gaza


The rotten state of Egypt
     is too powerless to ac
t


Growing outrage at the
     killings in Gaza


US secret arms to Israel


The Crucifixion of
     Bishop Williamson


What is this Jewish
    carnage really about ?


Ahmed Rami


French


Arabic بالعربية
 







HOME 

Ahmed Rami